...
إبراهيم بن سعيدان

إبراهيم بن سعيدان 4 محطات شكلت عقليته العقارية

يبدأ كتاب  حياتي في العقار للشيخ إبراهيم محمد بن سعيدان بمقدمة مؤثرة وسرد لتجاربه الأولى التي شكلت حياته المهنية والشخصية في قطاع العقارات، مستعرضاً الدروس التي تعلمها من التحديات والفرص التي واجهته، وكيف ساهمت هذه التجارب في بناء شخصيته وتكوين مساره الريادي.

(1) انتظار عودة الأم: درس الفقد وبناء الذات

يروي الشيخ إبراهيم محمد بن سعيدان بقلب مفتوح وشجاعة مؤثرة تجربته الأليمة في الطفولة المبكرة، وتحديداً قبل إتمامه السنة الثالثة من عمره. في تلك السن الغضة، عاش الكاتب لحظات قاسية من الانتظار والشوق لعودة والدته من رحلة الحج إلى مكة المكرمة.

كان ينتظرها بشغف كبير، لكن هذا الانتظار تحول إلى صدمة مؤلمة عندما لم تعد والدته أبدًا. كانت هذه الحادثة هي اللحظة الفاصلة التي أدرك فيها، ببرائة الطفولة المتألمة، أنه أصبح طفلاً يتيماً. يصف الكاتب ببراعة مشهد انتظاره اليومي على عتبة البيت في حي المليحة، وهو يتأمل الأفق على أمل رؤية والدته التي لم تظهر قط. يبلغ المشهد ذروته عندما يصف اللحظة الأكثر صعوبة عندما حمل الرجال نعشها نحو المقبرة دون أن يدرك وقتها، بوعيه الطفولي المحدود، أن من بداخل النعش هي أمه. هذا الحدث ترك أثراً عميقاً في نفسه، ولكنه علمه درساً مبكراً وقاسياً: أن الحياة تستمر حتى في أشد لحظات الفقد والألم.

في خضم هذا الفقد، نشأ الكاتب في كنف أب رؤوف، كان له بمثابة السند والعون، وزوجة أب عطوفة تعاملت معه ومع إخوته الأربعة: عبد الله، وفهد، وحمد، وعبد العزيز، بكل حنان ورعاية.

كانت عائلة أبيه بسيطة ومتواضعة الحال، فجده وُلد وعاش ومات في حريملاء، وهي إحدى المدن القديمة التي تعكس بساطة الحياة في ذلك الزمن. أما أبوه، فقد وُلد وعاش في الرياض بحي المليحة، مما يدل على ارتباطه العميق بالمدينة ونشأته فيها.

رغم بساطة حياتهم وظروفهم المادية المحدودة، كان أبوه نموذجاً للحب والعطاء والإخلاص في العمل. بدأ الأب مسيرته المهنية في تجارة الأقمشة، ثم انتقل إلى تجارة سيارات النقل، قبل أن يستقر به المطاف في مجال العقار الذي أحبه ووجد فيه شغفه الحقيقي. كانت هذه التجارب المتنوعة لأبيه خير إعداد له، فخبرته في تجارة الأقمشة ساعدته على بناء شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية والتعرف على طبقات مختلفة من الناس، مما أكسبه مهارات في التعامل مع الآخرين وفهم احتياجاتهم.

أما تجارته في سيارات النقل، فقد منحته معرفة عميقة بأحياء المدن ومزاياها وعيوبها، وتضاريسها، وأهمية مواقعها، مما جعله مرجعاً للكثيرين من أهل الرياض القديمة الذين كانوا يستشيرونه في شراء المنازل والأراضي، واضعين ثقتهم الكاملة في رأيه وخبرته.

يورد الكاتب مثالاً بارزاً على هذه الثقة والاحترام الذي كان يحظى به والده، وهي قصة شراء أبيه قطعة أرض لسماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم، والتي حولها المفتي لاحقاً إلى مقبرة.

يشير الكاتب إلى أن هذه الصفقة كانت نقطة تحول كبيرة وشجعت والده بشكل كبير على دخول قطاع العقار بثقة أكبر وعزيمة متجددة، بعد أن أدرك أن لديه القدرة على إنجاز صفقات كبيرة ومؤثرة. ويتذكر الكاتب بوضوح صباحاً بعيداً، حيث كان أبوه يتناولهم خبزاً ساخناً، في مشهد يعكس بساطة الحياة وكرم الوالد. يبرز هذا الجزء بشكل خاص عطاء والده غير المحدود لهم بعد فقدان والدتهم المبكر، وكيف كان الأب مصدر الأمان والعطف في حياتهم.

(2) رحيل عبد العزيز» ذات صباح !: حتمية الحياة والموت

في هذا الجزء من السيرة، يروي الكاتب بقلب مثقل بالذكريات حادثة وفاة أخيه الأصغر، عبد العزيز. كانت هذه الوفاة مفاجئة وغير متوقعة، حدثت فجأة ذات صباح، تاركة أثراً عميقاً في نفس الكاتب والعائلة بأكملها. يصف الكاتب أجواء المنزل في ذلك اليوم، حيث كانت العائلة كلها مجتمعة، وكان الناس يأتون لزيارة والده في غير أوقات الدوام الرسمية، مما يدل على مكانة الأب الاجتماعية وعلى حجم الفاجعة التي حلت بالبيت. وقد قدم لهم والده، كعادته، خبزاً ساخناً، في محاولة للحفاظ على الروتين المعتاد رغم الظرف الاستثنائي.

يعبر الكاتب بصدق عن مشاعر الحزن والألم التي تملكته لفقدان أخيه، خاصة وأنهم كانوا في عمر متقارب، مما جعل رابطتهما أقوى. هذه الحادثة الأليمة، رغم قسوتها، فرضت على الكاتب حقيقة مؤلمة ولكنه تعلمها: أن الحياة لا تتوقف عند أحد، حتى عند فقدان شخص عزيز، وأن مسيرة الحياة تستمر بغض النظر عن الفقد.

(3) العشاء تحت المقرصة !: الصبر في مواجهة الشدائد

في هذه القصة المليئة بالدفء الإنساني، يتذكر الكاتب ليلة ممطرة قضاها مع أبيه وأعمامه تحت “المقرصة”. المقرصة، كما يوضح الكاتب، هي آلة ضخمة وثقيلة تستخدم لتقطيع الحجارة، وهي بيئة عمل قاسية وغير مريحة، خاصة في ليلة ممطرة. هذه التجربة التي مرت بها العائلة عندما كانوا ينتظرون انتهاء عمل والدهم تحت المقرصة ترسخت في ذاكرته كواحدة من الذكريات التي شكلت شخصيته.

يصف الكاتب ببراعة الجو العائلي الدافئ الذي ساد تلك الليلة، رغم الظروف الجوية الصعبة والمكان غير المألوف. كانت هذه التجربة القاسية، التي تطلبت منهم صبراً وتحملاً، من اللحظات المحورية التي تركت أثراً عميقاً في حياة الكاتب.

لقد علّمته هذه التجربة مبادئ أساسية في الحياة: الصبر على الشدائد، والمثابرة في مواجهة التحديات، وأهمية الدفء العائلي في التغلب على الصعاب. هذه الدروس لم تكن مجرد ذكريات عابرة، بل كانت ركائز بنى عليها الكاتب شخصيته ومنهجه في الحياة والعمل.

(4) ساندويتش قادني إلى الوظيفة: الفرصة في التفاصيل الصغيرة

يتحدث الشيخ إبراهيم بن سعيدان في هذه القصة عن حادثة تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها غيرت مجرى حياته بشكل جذري وقادت به إلى الحصول على وظيفته الأولى. يروي الكاتب كيف كان يتناول شطيرة خبز عادية، في موقف يومي لا يبدو فيه أي شيء استثنائي، ولكن هذه الشطيرة البسيطة كانت هي الوسيط غير المتوقع الذي قاده إلى لقاء مصيري غير حياته. هذا اللقاء، الذي لم يكن مخططاً له، فتح له أبواباً جديدة في حياته المهنية لم يكن يتخيلها. تبرز هذه القصة بشكل لافت للنظر كيف أن الفرص الكبيرة والمؤثرة يمكن أن تأتي من أماكن غير متوقعة على الإطلاق، ومن خلال أحداث تبدو تافهة أو عادية.

إنها رسالة قوية تؤكد كيف أن بعض الأحداث البسيطة في الحياة يمكن أن تؤدي إلى تحولات كبيرة وغير متوقعة في مسار الحياة والمهنة، وتشدد على أهمية الانتباه للتفاصيل وأن يكون المرء منفتحاً على كل الاحتمالات.

ما الفائدة من القصص الأربع للعاملين في العقار؟

تقدم القصص الأربع الأولى من كتاب “حياتي في العقار” للشيخ إبراهيم بن سعيدان دروسًا قيّمة وعميقة للعاملين في القطاع العقاري، على الرغم من أنها قد لا تتناول بشكل مباشر تفاصيل الاستثمار أو التقييم العقاري. تكمن الفوائد في الجوانب الإنسانية والشخصية التي شكلت شخصية الكاتب، والتي يمكن أن تنعكس إيجاباً على المسيرة المهنية لأي عقاري:

  • المرونة والتكيف مع التغيرات: تُظهر قصص الكاتب المبكرة، مثل فقدانه لوالدته وأخيه في سن مبكرة، كيف أن الحياة مليئة بالتحولات المفاجئة والأحداث غير المتوقعة. في القطاع العقاري، الذي يتسم بالتقلبات السريعة في الأسعار والطلب والسياسات الحكومية، يُعد امتلاك المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات أمراً حيوياً. يجب على العقاريين أن يكونوا مستعدين لمواجهة التحديات الاقتصادية، والتغيرات في التشريعات، والتحولات في تفضيلات العملاء، وأن يطوروا استراتيجيات للتغلب على هذه العقبات بدلاً من الاستسلام لها. هذا الدرس من صميم تجربة الكاتب في التغلب على الفقد المبكر يمكن أن يكون مصدراً للإلهام في التعامل مع التحديات المهنية.
  • بناء العلاقات والثقة أساس النجاح: تُبرز قصة والد الكاتب، الذي كان مرجعًا موثوقاً به لأهل الرياض في شراء الأراضي والمنازل، أهمية بناء الثقة الراسخة والعلاقات المتينة مع العملاء. العقاري الناجح ليس مجرد وسيط لبيع وشراء العقارات، بل هو مستشار موثوق به يقدم قيمة حقيقية لعملائه.
  • اكتساب سمعة طيبة في النزاهة والشفافية والخبرة يُعد استثماراً طويل الأجل يجلب له الأعمال المتكررة والإحالات.
  • هذه الثقة تُبنى عبر التعامل الصادق، والوفاء بالوعود، وفهم احتياجات العميل الحقيقية، وهي كلها صفات جسدها والد الكاتب في تعاملاته.
  • اغتنام الفرص من التفاصيل غير المتوقعة: تُعد قصة “ساندويتش قادني إلى الوظيفة” مثالاً حياً على أن الفرص المهنية والشخصية قد تأتي من أبسط المواقف وأكثرها عفوية وغير المخطط لها. على العقاريين أن يكونوا دائمي اليقظة والانتباه، ومنفتحين على الفرص التي قد لا تبدو واضحة في البداية، أو التي لا تأتي بالطرق التقليدية. قد يكون لقاء عابر في فعالية اجتماعية، أو محادثة بسيطة مع شخص غريب، هو المفتاح لصفقة كبرى أو لشراكة استراتيجية. القدرة على رؤية الإمكانات في المواقف العادية واستغلالها بحكمة هي سمة تميز العقاري المبدع.
  • الصبر والمثابرة في مواجهة الشدائد: تُظهر قصة “العشاء تحت المقرصة” الظروف الصعبة والتحديات التي قد تواجه الأفراد والعائلات، وكيف أن الصبر والمثابرة والتكاتف الأسري يمكن أن يساعدا في تجاوزها. في مجال العقارات، الذي يتطلب غالبًا وقتاً وجهداً كبيرين لإتمام الصفقات، وتجاوز العقبات القانونية، والتفاوض المعقد، تعد هذه الصفات ضرورية للنجاح. العقاري الناجح هو الذي لا يستسلم أمام الصفقات المتعثرة، أو التغيرات السلبية في السوق، بل يواصل العمل بجد وإصرار حتى يحقق أهدافه. هذه القصة تؤكد أن النجاح لا يأتي إلا بعد جهد وصبر.
  • الإلهام والتحفيز الذاتي: تُقدم هذه القصص مجتمعة تجربة شخصية ملهمة من حياة رجل أعمال ناجح بدأ مسيرته من ظروف متواضعة، وواجه الفقد والصعوبات منذ نعومة أظفاره. يمكن للعقاريين أن يستلهموا من هذه الرحلة أهمية الطموح، والعزيمة، والإصرار في تحقيق الأهداف الكبيرة، حتى في مواجهة التحديات الشخصية والمهنية القاسية. إنها تذكرة بأن النجاح ليس حكراً على أصحاب الامتيازات، بل هو نتيجة للعمل الجاد والإيمان بالذات والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص.

باختصار، تُسلط هذه القصص الضوء على الجوانب الإنسانية والتجارب الحياتية التي تُشكل الشخصية، والتي بدورها تؤثر بشكل مباشر على النجاح المهني في أي مجال. إنها ليست مجرد قصص شخصية، بل هي دروس عملية في الحياة والصبر والمرونة وبناء الذات، وكلها صفات لا غنى عنها لأي عقاري يطمح إلى التميز والنجاح على المدى الطويل في سوق متغير ومتطلب.

في شبكة عقار،  أحد المنصات المرخصة من الهيئة العامة للعقار، نؤمن بأن شراكتنا هي أساس نجاحكم في السوق العقاري. نقدم لكم مجموعة متكاملة من الخدمات، تشمل باقات المطورين والمستثمرين، وعضويات المؤسسات العقارية والوسطاء، وخدمات التصوير والإنتاج والتصميم والتسويق الاحترافية، بالإضافة إلى الخدمات التقنية المتكاملة وتوثيق العقود الإيجارية عبر منصة إيجار. دعونا نكن شركاء في رحلتكم نحو تحقيق أفضل النتائج.

و سواء كنت شركة أو فردًا، وتبحث عن حلول عقارية احترافية، فإن شبكة عقار هي خيارك الأمثل. اترك التفاصيل علينا، فنحن نتولى كل شيء بكفاءة واحترافية. تواصل معنا عبر نموذج تسويق العقار أو نموذج طلب العقار، أو عبر الواتساب أو نموذج اتصل بنا، ودعنا نجعل تجربتك العقارية سلسة ومريحة.

لا تقتصر فائدة مدونتنا على هذا المقال فقط. ندعوك لاستكشاف أقسامنا المتنوعة حول التسويق العقاري والمؤشرات العقارية والمزادات العقارية وغيرها ، حيث تجد تحليلات مفصلة وأخبارًا محدثة ونصائح قيّمة تخدم كل العاملين في القطاع العقاري والمهتمين به. اكتشف آفاقًا جديدة لمعرفتك.

اشترك في النقاش


مقارنة العقارات

قارن