...
النسبة التخطيطية

5 مفاهيم لفهم النسبة التخطيطية وتطوير الأراضي الخام

النسبة التخطيطية تُعد من المفاهيم المحورية في التخطيط العمراني الحديث، إذ تمثل أساسًا في تنظيم استخدام الأراضي وتوزيعها بين الاستخدامات السكنية، التجارية، والخدمية.

فهي لا تُستخدم فقط كأداة فنية لتقسيم الأراضي، بل تُعتبر آلية استراتيجية لتحقيق التنمية الحضرية المتوازنة والمستدامة.
يمثل التخطيط العمراني وتطوير الأراضي الخام جزءًا حيويًا من عملية التنمية الحضرية، حيث تهدف الجهات المختصة إلى تنظيم وتوجيه النمو العمراني بما يضمن تحقيق المصلحة العامة، وتحقيق بيئة عمرانية متكاملة تلبي احتياجات السكان من السكن والخدمات والأنشطة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، تبرز مفاهيم “النسبة التخطيطية” و”النسبة النظامية” كركيزتين رئيسيتين في تحديد كيفية استغلال الأراضي الخام بعد تحويلها إلى مخططات معتمدة. إن فهم هذه النسب، وما يرتبط بها من تصنيفات وأنماط تقسيم وطرق احتساب، يُعد أمرًا جوهريًا ليس فقط للمطورين العقاريين والمستثمرين، بل أيضًا لكل من يهتم بقطاع العقارات ويرغب في فهم الأسس التي تُبنى عليها المدن والمجتمعات العمرانية.

لفهم هذه النسب، لابد من البدء بتعريفات أساسية:

  • الأرض الخام: هي أرض غير مطورة وغير مستغلة، ولا تحتوي على خدمات البنية التحتية الأساسية. بمعنى آخر، هي مساحة من الأرض في حالتها الطبيعية، تنتظر التدخل التخطيطي والعمراني.
  • المخطط المعتمد: هو قطعة الأرض التي اعتمدت توزيعها إلى قطع أراضٍ بعد حسم نسب الخدمات. هذا يعني أن الأرض الخام قد مرت بمرحلة التخطيط والتصميم وتمت الموافقة عليها من الجهات الرسمية لتقسيمها إلى قطع قابلة للتملك والتطوير.

النسبة التخطيطية والنسبة النظامية: المفهوم والفروقات

يُشير النص إلى مفهومين أساسيين في هذا السياق، وهما النسبة التخطيطية والنسبة النظامية:

  • النسبة التخطيطية: هي المساحة المقتطعة من الأرض المطلوب تخطيطها لخدمتها. تُحسب كنسبة مئوية من المساحة الكلية للأرض، وقد تكون مساوية للنسبة النظامية أو أقل منها أو أكبر. بعبارة أخرى، هي المساحة الإجمالية المخصصة للمرافق والخدمات العامة ضمن المخطط.
  • النسبة النظامية: هي المساحة المجانية التي تقتطع من كامل مساحة الأرض المطلوب تخطيطها لخدمتها. هذه النسبة هي الحد الأعلى الذي يمكن اقتطاعه مجانًا لأغراض الخدمات.

يكمن الفرق الجوهري بين النسبة النظامية والنسبة التخطيطية في كون النسبة النظامية تمثل (تنظيم حدود الملكية)، أي أنها الإطار القانوني والتنظيمي لما يجب تخصيصه من مساحة مجانية للخدمات. بينما النسبة التخطيطية هي (تقسيم أراضٍ إلى مخططات معتمدة)، وهي التطبيق الفعلي والمحدد على أرض الواقع للمساحات المخصصة للخدمات ضمن المخطط المعتمد، وقد تتغير بناءً على احتياجات التخطيط الفعلية في كل مشروع، مع مراعاة ألا تقل عن النسب النظامية المحددة.

تقسيم الأراضي بعد اعتماد المخطط

بعد اعتماد المخطط، تُقسم الأراضي عادةً إلى ثلاثة أقسام رئيسية، كل منها يخدم غرضًا مختلفًا:

  1. أراضٍ خاصة: وتشمل الأراضي التي يحق للمالك التصرف فيها. هذه هي القطع المخصصة للسكن أو الأنشطة التجارية أو الاستثمارية، والتي يمكن بيعها، بناؤها، أو استغلالها بشكل فردي أو من قبل الشركات. هذه الأراضي هي التي تشكل غالبية المساحة في المخطط والتي تعود ملكيتها للمطور أو الأفراد.
  2. أراضٍ شبه عامة: وهي الأراضي المخصصة لخدمات عامة يمكن تأجيرها أو الاستفادة منها بشكل غير مباشر، مثل المساجد، المستوصفات، مباني البلدية، المدارس، حدائق الأبيرة (الحدائق العامة)، مراكز الشرطة، وغيرها. هذه الأراضي تخدم المجتمع وتُدار غالبًا من قبل جهات حكومية أو خاصة بتراخيص، وقد تدر دخلًا للدولة أو للجهات المسؤولة عن تشغيلها.
  3. أراضٍ عامة: وهي المساحة الباقية من الاستغلال السابق. تشمل الشوارع المخصصة للسيارات أو للمشاة، والحدائق الصغيرة، والجزر، والمواقف، والمساحات الضائعة وغير المستغلة، وما إلى ذلك. هذه الأراضي مرتبطة بالتكلفة المستمرة من حيث الصيانة والإدارة، وتقع مسؤولية تشغيلها على عاتق الدولة بشكل أساسي.

طريقة احتساب النسبة التخطيطية

تُحسب النسبة التخطيطية من الأراضي الخام على النحو التالي:

  • أراضٍ عامة: تُحتسب النسبة التخطيطية لهذه الأراضي بـ (33%) من إجمالي المساحة. تمثل هذه النسبة المساحات المخصصة للشوارع، والممرات، والحدائق، والمناطق المفتوحة، والمواقف. هذا التخصيص يضمن وجود بنية تحتية مناسبة ومساحات خضراء وخدمات أساسية للمخطط.
  • أراضٍ (نسبة عامة): تُحتسب نسبة لا تزيد عن (7%) من إجمالي المساحة للخدمات الحكومية مثل المساجد، والمدارس، والمراكز الصحية، والدفاع المدني، وغيرها. هذه الأراضي تبقى في حوزة مالك الأرض الخام، وتُخصص للجهات الحكومية المعنية حسب اشتراطاتها. الجدير بالذكر أن الأراضي المخصصة للمساجد تتفرغ لوزارة الشؤون الإسلامية بدون مقابل، مما يعكس الأهمية الدينية لهذه المرافق.

الخلاصة:

تُشكل هذه الآليات والتقسيمات إطارًا تنظيميًا بالغ الأهمية لتطوير الأراضي في المملكة. فمن خلال التحديد الدقيق للنسب التخطيطية والنظامية، والتصنيف الواضح لأنواع الأراضي بعد التخطيط، تسعى الجهات المعنية إلى تحقيق التوازن الأمثل بين حقوق الملاك والمطورين واحتياجات المجتمع المتزايدة للخدمات والمرافق العامة. هذا التنظيم ليس مجرد قواعد إدارية، بل هو أساس لضمان إنشاء بيئات عمرانية متكاملة ومستدامة، مما يسهم بشكل مباشر في تعزيز جاذبية القطاع العقاري للاستثمار، وفي الوقت نفسه، يحافظ على التخطيط السليم الذي يدعم جودة الحياة للسكان. إن وضوح هذه المفاهيم يسهل على جميع الأطراف المعنية فهم التزاماتهم وحقوقهم بوضوح، مما يعزز من كفاءة وشفافية عمليات التطوير العقاري في المملكة.

علاوة على ذلك، تعكس هذه الأسس التنظيمية رؤية طموحة في بناء مدن عصرية ومستقبلية، تتوافق مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030 التي تركز على تحسين جودة الحياة وتنمية البنية التحتية الشاملة. فتنظيم استخدام الأراضي وتخصيص مساحات كافية للخدمات والمرافق العامة ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو استثمار طويل الأمد في مستقبل الأجيال القادمة، يضمن لهم بيئة صحية، تعليمية، وترفيهية متكاملة تليق بتطلعاتهم. كما أن الشفافية في تحديد النسب والإجراءات المتبعة تساهم بفاعلية في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، حيث يجد المستثمرون بيئة تنظيمية واضحة وموثوقة تقلل من المخاطر وتزيد من الفرص المتاحة.

إن المضي قدمًا في تطبيق وتحديث هذه الأنظمة يعزز من مكانة المملكة كمركز إقليمي رائد في التطوير العقاري والنمو العمراني، ويسهم بشكل مباشر في تحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي الشامل الذي تتطلع إليه القيادة والمواطنون.

اشترك في النقاش


مقارنة العقارات

قارن