العقار في المملكة العربية السعودية، وبالتحديد في العاصمة الرياض، لُقب بـ “الابن العاق للاقتصاد” نتيجة لارتفاع الأسعار غير المبرر لسنوات طويلة واكتناز الأراضي. هذا الوضع لم يقتصر تأثيره على تكلفة السكن للمواطنين والمقيمين فحسب، بل تحول إلى أكبر دافع للتضخم وتسبب في إرباك بيئة الأعمال. ومع صدور حزمة من التوجيهات والقرارات الحاسمة من ولي العهد، بدأت ملامح تحول استراتيجي في القطاع، يهدف إلى إخراجه من دائرة التشوهات الهيكلية ودفعه ليكون “ابناً باراً” وداعماً للاستقرار الاقتصادي والنمو.
في لقائه ضمن بودكاست هلله ، أوضح الأستاذ عبد الحميد العمري، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، أن جوهر هذه الإجراءات يكمن في تحول جذري للسياسات، بعيداً عن التركيز المفرط على “الطلب”. فما هي الإجراءات الخمسة الرئيسية التي تقود هذا التحول، وكيف ستعيد تشكيل هيكل السوق العقاري؟
خمسة إجراءات تعيد صياغة العلاقة بين العقار والاقتصاد
أشار الأستاذ العمري إلى أن جوهر القرارات الجديدة يتركز بالكامل على جانب العرض، بهدف معالجة التشوهات التاريخية التي لم تُحل بالتركيز على الدعم المالي والتمويل في جانب الطلب. هذه الإجراءات مصممة لمعالجة المشكلة من جذرها، وتحويل الأراضي المكتنزة إلى سلع استثمارية ومنتجة.
1. التركيز الاستراتيجي على “جانب العرض”
يعتبر هذا التحول هو المبدأ الحاكم للقرارات. أكد العمري أن كل التوجيهات الجديدة ركزت على تحفيز وزيادة المعروض من الوحدات السكنية والأراضي المطورة. ففي الماضي، كان التركيز على الطلب (من خلال برامج التمويل والدعم) يؤدي إلى ضخ سيولة تطارد السلع الشحيحة (الأراضي)، مما يرفع الأسعار ويزيد من حجم المديونية دون حل المشكلة. اليوم، أصبح الهدف هو عكس هذه الآلية بتحريك العرض.
2. تفعيل رسوم الأراضي البيضاء بكفاءة “قوية”
وفقاً لـ العمري، فإن تجربة رسوم الأراضي البيضاء سابقاً كانت “بطيئة” و “متأخرة”. الإجراء الجديد يهدف إلى تفعيل اللائحة التنفيذية بشكل أكثر قوة وصرامة، بحيث يصبح الاحتفاظ بالأرض البيضاء غير المطور مكلفاً جداً على المالك، مما يدفعه إلى اتخاذ أحد مسارين:
- البيع: لتقليل الخسائر المالية الناجمة عن الرسوم المرتفعة.
- التطوير: لضخ المنتج العقاري في السوق وتحويل الأرض من أصل خام إلى أصل منتج.
هذا الضغط المباشر على مكتنزي الأراضي هو حجر الزاوية في حل مشكلة الشح المصطنع.
3. تحديد سعر استرشادي للأراضي (1500 ريال للمتر)
أكد العمري أن منصة التوازن العقاري بدأت في توفير أراضٍ بسعر محدد بحد أقصى 1500 ريال للمتر. هذا الإجراء ليس مجرد توفير لأراضٍ، بل هو بمثابة “صانع سوق” يضع سقفاً وتوجيهاً واضحاً للأسعار. هذا السعر الاسترشادي يخدم هدف خفض كلفة العقار ويجعل المستثمر أو المطور أمام تحدي إنتاج وحدات سكنية بأسعار تنافسية بدلاً من السير خلف المضاربة والاحتكار.
4. تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى “صانع سوق” للعرض
يرى العمري أن الدور المستقبلي لصندوق الاستثمارات العامة (PIF) يجب أن يتحول من مجرد مستثمر إلى صانع سوق. هذا التحول يعني أن الصندوق لا يهدف فقط للربح كـ “جزء من السوق”، بل يجب أن يكون لديه دور إلزامي في تحقيق الأهداف السامية لخفض الكلفة وتوفير المنتج.
ذكر العمري أن الصندوق مطالب بـ:
- التنافس في الأسعار: أن يكون معياره التوجيهات السامية (خفض الكلفة) وليس فقط أسعار السوق.
- معالجة قطاع التأجير: يجب أن يضيف الصندوق إلى خطوط إنتاجه موضوع معالجة التأجير وتطوير البنى التحتية والمشاريع التي تلبي الحاجة في هذا القطاع، نظراً لأنه مشروع مجد ومربح ويحقق استقراراً اجتماعياً واقتصادياً.
5. تنظيم العلاقة الإيجارية: معالجة الدافع الأكبر للتضخم
أوضح العمري أن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر هو إجراء حاسم لأنه يعالج مشكلة كانت السبب الرئيسي في التضخم. الإيجارات كانت الدافع الأكبر للتضخم في المملكة لـ 36 شهراً مضت. هذا الارتفاع الجنوني للإيجارات وصل إلى 500% في بعض المناطق، مما أدى إلى عواقب اقتصادية وخيمة:
- فشل المنشآت الصغيرة: رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، كالمطاعم والمقاهي، عانت من ارتفاع الإيجارات، مما اضطرها لتقليل العمالة أو التوقف عن النشاط.
- زيادة البطالة: توقف الأعمال أدى إلى زيادة العاطلين عن العمل، مما أضر بالاقتصاد الوطني.
تنظيم هذه العلاقة اليوم هو خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار ومواجهة التضخم الناتج عن العقار.
خاتمة: القطاع العقاري “الابن البار”
إن مجموع هذه الإجراءات، التي تركز كلها على العرض والضبط السعري، تهدف إلى دفع القطاع العقاري ليكون “ابناً باراً” وداعماً رئيسياً للتنمية الاقتصادية. وشدد الأستاذ عبد الحميد العمري في بودكاست هلله على أن نتائج هذه السياسات لن تظهر فوراً، لكنها ستكون مرئية بشكل تدريجي وملموس، متوقعاً أن تبدأ هذه النتائج في الظهور “كل نصف سنة إلى سنة تقريباً”. الالتزام بتطبيق هذه الإجراءات سيعيد للقطاع توازنه ويضمن خفض الكلفة وتحقيق الاستدامة للأجيال القادمة.
في شبكة عقار، أحد المنصات المرخصة من الهيئة العامة للعقار، نؤمن بأن شراكتنا هي أساس نجاحكم في السوق العقاري. نقدم لكم مجموعة متكاملة من الخدمات، تشمل باقات المطورين والمستثمرين، وعضويات المؤسسات العقارية والوسطاء، وخدمات التصوير والإنتاج والتصميم والتسويق الاحترافية، بالإضافة إلى الخدمات التقنية المتكاملة وتوثيق العقود الإيجارية عبر منصة إيجار. دعونا نكن شركاء في رحلتكم نحو تحقيق أفضل النتائج.
و سواء كنت شركة أو فردًا، وتبحث عن حلول عقارية احترافية، فإن شبكة عقار هي خيارك الأمثل. اترك التفاصيل علينا، فنحن نتولى كل شيء بكفاءة واحترافية. تواصل معنا عبر نموذج تسويق العقار أو نموذج طلب العقار، أو عبر الواتساب أو نموذج اتصل بنا، ودعنا نجعل تجربتك العقارية سلسة ومريحة.
لا تقتصر فائدة مدونتنا على هذا المقال فقط. ندعوك لاستكشاف أقسامنا المتنوعة حول التسويق العقاري والمؤشرات العقارية والمزادات العقارية وغيرها ، حيث تجد تحليلات مفصلة وأخبارًا محدثة ونصائح قيّمة تخدم كل العاملين في القطاع العقاري والمهتمين به. اكتشف آفاقًا جديدة لمعرفتك.
اشترك في النقاش