شهد القطاع العقاري نقلة نوعية وتاريخية مع الإعلان عن اعتماد اللائحة التنفيذية الجديدة لرسوم الأراضي البيضاء. هذه اللائحة، التي تعد جزءاً أساسياً من الجهود الحكومية الرامية إلى تحقيق أهداف رؤية 2030، لا تمثل مجرد تعديل إجرائي، بل هي إطار تنظيمي متكامل مصمم لإحداث تغيير جذري في ديناميكية السوق العقاري. تهدف هذه الخطوة الاستراتيجية إلى معالجة العديد من التحديات القائمة، مثل نقص المعروض من الأراضي المطورة والوحدات السكنية، ومكافحة الممارسات الاحتكارية، وضمان تحقيق التوازن بين العرض والطلب بما يخدم مصلحة المواطن والمستثمر على حد سواء.
يأتي هذا التوجه الحكومي نتيجة لدراسات مستفيضة أظهرت أن احتكار الأراضي البيضاء داخل النطاقات العمرانية أدى إلى ارتفاع غير مبرر في أسعار الأراضي والعقارات، مما شكل عائقاً أمام تحقيق تملك السكن للمواطنين. ولهذا، جاءت اللائحة الجديدة لتكون أداة فعّالة لكسر هذا الاحتكار، وتحفيز الملاك على تطوير أراضيهم أو طرحها في السوق، بما يساهم في ضخ كميات كبيرة من الأراضي المطورة والوحدات السكنية الجاهزة للاستخدام.
محاور التغيير الجوهري: من نظام ثابت إلى نظام ديناميكي رسوم الأراضي البيضاء
اللائحة التنفيذية الجديدة، المكونة من 16 مادة، ترتكز على محاور أساسية تميزها عن النظام السابق، وتجعلها أكثر فاعلية وشمولية:
1. تعديل نسبة رسوم الأراضي البيضاء السنوية: في النظام السابق، كانت نسبة الرسم ثابتة عند 2.5% من قيمة الأرض سنوياً. هذا الرقم كان يعتبر غير كافٍ في بعض الحالات لتحفيز الملاك على التطوير. أما في النظام الجديد، فقد تم اعتماد آلية مبتكرة ومرنة تجعل النسبة “تصل إلى 10% سنوياً من قيمة الأرض”. هذا التغيير ليس عشوائياً، بل هو مرتبط مباشرة بآلية تصنيف جديدة للنطاقات الجغرافية بناءً على “أولويات التطوير العمراني”. هذا يعني أن الأراضي التي تقع في مناطق ذات أولوية قصوى للتطوير، والتي قد تكون في قلب المدن أو في مناطق حيوية تحتاج إلى كثافة سكانية، ستخضع لنسبة رسم أعلى. هذا النهج الذكي يضمن أن الرسوم تفرض حيث الحاجة ماسة للتطوير، مما يعزز من كفاءة استغلال الأراضي داخل المدن.
2. شمولية التطبيق ونطاقه: بينما كان النظام السابق يركز على استخدامات معينة (سكني وتجاري)، جاء النظام الجديد ليشمل “جميع استخدامات الأراضي البيضاء” التي تقع داخل النطاقات العمرانية المعتمدة. هذا التوسع في النطاق يضمن عدم وجود ثغرات تسمح للملاك بالتهرب من الرسوم بذريعة استخدامات أخرى. علاوة على ذلك، أضافت اللائحة مفهوماً جديداً وهو “العقارات الشاغرة”، وهي العقارات المبنية التي تُركت لفترات طويلة دون استغلال أو مبرر مقبول. فرض رسم سنوي على هذه العقارات، بمهلة عام واحد لتسجيلها، يعد خطوة هامة لمكافحة ظاهرة “العقار المخزون” الذي يساهم في ندرة المعروض.
3. توحيد المراحل والمساحات المستهدفة: تتميز اللائحة الجديدة ببساطتها ووضوحها فيما يتعلق بالمساحات المستهدفة. فبعد أن كان النظام السابق يفرض الرسوم على مراحل مختلفة وبمساحات متباينة، أصبح النظام الجديد يطبق الرسوم على الأراضي التي تبلغ مساحتها 5,000 متر مربع أو أكثر، سواء كانت أرضاً واحدة أو مجموع أراضٍ مملوكة لمالك واحد داخل نطاق جغرافي واحد. هذا التوحيد يسهل من عملية التطبيق والامتثال، ويجعلها أكثر عدالة وشفافية.
ضمانات وحوافز لتسهيل عملية التطوير – رسوم الأراضي البيضاء
لم تغفل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان عن التحديات التي قد تواجه الملاك في عملية التطوير. لذلك، تضمنت اللائحة الجديدة مجموعة من الضمانات والحوافز التي تراعي هذه الجوانب:
- موانع التطوير: لا يُطبَّق الرسم في حالات وجود موانع نظامية أو عوائق تحول دون إصدار التراخيص اللازمة، شريطة ألا يكون المالك هو السبب في هذه الموانع. هذا البند يضمن أن الرسوم لا تفرض على من يواجهون ظروفاً خارجة عن إرادتهم.
- تمديد المهلة: يجوز للوزارة منح الملاك مدة إضافية لإنجاز التطوير، بناءً على طبيعة الأرض ومساحتها، مما يمنحهم مرونة أكبر في إدارة مشاريعهم.
- وقف الرسم عند التطوير: إنجاز تطوير الأرض أو بنائها خلال المدة النظامية يوقف تطبيق الرسم، وهذا يعد حافزاً قوياً للملاك للإسراع في إتمام مشاريعهم.
تسهيل الإجراءات عبر “إتمام”
لضمان نجاح هذه اللائحة، عملت الوزارة على تيسير الإجراءات اللازمة للملاك والمطورين من خلال مركز خدمات المطورين “إتمام“. هذا المركز، الذي يعمل كمنصة موحدة، يسرّع من عملية إصدار رخص البناء والتراخيص واعتماد المخططات، مما يقلل من البيروقراطية ويختصر الوقت والجهد. هذا الدعم الإجرائي يُمكّن المكلفين من تسريع عملية التطوير، ويعزز من كفاءة استثماراتهم، ويجعل من التطوير خياراً أكثر جاذبية من الاحتفاظ بالأرض دون استغلال.
دعوة للتسجيل وتأكيد على الأهداف الاستراتيجية – رسوم الأراضي البيضاء
في الختام، تدعو الوزارة الملاك المعنيين، الذين سيتم تحديد مناطقهم تباعاً ضمن إعلانات رسمية، إلى المبادرة بتسجيل أراضيهم عبر البوابة الإلكترونية للبرنامج خلال المهلة النظامية المحددة. هذه الخطوة ضرورية لضمان الامتثال للائحة والمساهمة في تحقيق أهدافها.
إن اللائحة التنفيذية الجديدة لرسوم الأراضي البيضاء ليست مجرد قرار إداري، بل هي جزء من رؤية شاملة تهدف إلى بناء مدن حيوية ومستدامة، وضمان توفير السكن بأسعار مناسبة للمواطنين، وتحفيز الاستثمار في القطاع العقاري بشكل عادل وشفاف. إنها خطوة جريئة ومهمة نحو إعادة تشكيل المشهد العقاري في المملكة، ووضع أساس متين لنمو مستدام يخدم الاقتصاد والمجتمع على المدى الطويل.
في شبكة عقار، أحد المنصات المرخصة من الهيئة العامة للعقار، نؤمن بأن شراكتنا هي أساس نجاحكم في السوق العقاري. نقدم لكم مجموعة متكاملة من الخدمات، تشمل باقات المطورين والمستثمرين، وعضويات المؤسسات العقارية والوسطاء، وخدمات التصوير والإنتاج والتصميم والتسويق الاحترافية، بالإضافة إلى الخدمات التقنية المتكاملة وتوثيق العقود الإيجارية عبر منصة إيجار. دعونا نكن شركاء في رحلتكم نحو تحقيق أفضل النتائج.
و سواء كنت شركة أو فردًا، وتبحث عن حلول عقارية احترافية، فإن شبكة عقار هي خيارك الأمثل. اترك التفاصيل علينا، فنحن نتولى كل شيء بكفاءة واحترافية. تواصل معنا عبر نموذج تسويق العقار أو نموذج طلب العقار، أو عبر الواتساب أو نموذج اتصل بنا، ودعنا نجعل تجربتك العقارية سلسة ومريحة.
لا تقتصر فائدة مدونتنا على هذا المقال فقط. ندعوك لاستكشاف أقسامنا المتنوعة حول التسويق العقاري والمؤشرات العقارية والمزادات العقارية وغيرها ، حيث تجد تحليلات مفصلة وأخبارًا محدثة ونصائح قيّمة تخدم كل العاملين في القطاع العقاري والمهتمين به. اكتشف آفاقًا جديدة لمعرفتك.