في ظل التحديات التي يشهدها القطاع العقاري، يأتي نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة كأداة تنظيمية استراتيجية تهدف إلى إعادة هيكلة السوق وتحفيز التنمية العمرانية المتوازنة. فالاحتفاظ بالأراضي دون تطوير، وترك العقارات قائمة بلا استخدام، أصبحا من المعوقات الرئيسية أمام تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ورفع كفاءة استخدام الأصول العقارية. لهذا، تبنّت الجهات المعنية هذا النظام ضمن منظومة إصلاحات تهدف إلى تشجيع التعمير، وضمان استغلال الموارد العقارية بشكل يحقق التنمية المستدامة ويخدم مصلحة المجتمع.
منذ انطلاقه، مر النظام بعدة مراحل وتعديلات تعكس حرص الجهات التنظيمية على تحسين آليات التطبيق وتوسيع نطاق التأثير. فبعد أن كان يقتصر على الأراضي البيضاء، أصبح يشمل العقارات الشاغرة، ليغطي فجوات كانت تعيق تطور السوق. هذا التوجه لا يُعد مجرد إجراء مالي، بل هو رافعة تنظيمية تُسهم في تحفيز المطورين والملاك على الاستخدام الأمثل لأصولهم، وتمنع الممارسات الاحتكارية التي تعطل التنمية الحضرية.
رحلة تطوير النظام:
بدأ نظام رسوم الأراضي البيضاء بصدوره رسميًا في نوفمبر 2015، كجزء من مستهدفات رؤية 2030 لتنظيم القطاع العقاري. في يونيو 2016، تم اعتماد اللائحة الخاصة بالنظام وبدأ تطبيقه في مراحله الأولى، متضمنًا فرض الرسوم على الأراضي غير المطورة داخل النطاق العمراني.
شهد النظام عدة تعديلات على مر السنين لتعزيز كفاءته وتحقيق أهدافه. ففي أكتوبر 2019، جرى تعديل اللائحة لمنح الملاك مدة إضافية لتطوير الأرض في حال البدء في التطوير. وفي يوليو 2020، صدر أمر ملكي بإحالة الفواتير المستحقة إلى المحكمة التنفيذية، مما عزز من كفاءة النظام.
في أبريل 2021، تم تعديل اللائحة مرة أخرى لإعادة هيكلة المراحل، وتقليصها من أربع مراحل إلى ثلاث مراحل أكثر شمولًا. وفي مارس 2025، صدر توجيه من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بالاستعجال في إصدار التعديلات المقترحة على نظام رسوم الأراضي البيضاء خلال مدة لا تتجاوز 60 يومًا. أخيرًا، في أبريل 2025، صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء ليصبح نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة.
أهداف نظام رسوم الأراضي البيضاء :
يهدف نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
- زيادة المعروض من الأراضي المطورة: يسعى النظام إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق العقاري، وذلك بزيادة الأراضي المطورة.
- زيادة المعروض من الوحدات العقارية: يهدف النظام إلى توفير المزيد من الوحدات العقارية لتلبية احتياجات السوق.
- حماية المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية: يعمل النظام على ضمان بيئة تنافسية عادلة في القطاع العقاري ومنع الممارسات الاحتكارية.
نطاق تطبيق نظام رسوم الأراضي البيضاء :
يشمل نطاق تطبيق النظام كلاً من الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة.
- الأراضي البيضاء: تُعرف الأراضي البيضاء بأنها “كل أرض فضاء قابلة للتطوير والتنمية داخل حدود النطاق العمراني”.
- العقارات الشاغرة: هي “المباني الواقعة داخل النطاق العمراني غير المستغلة لفترة طويلة دون مسوغ مقبول، والتي يؤثر عدم استخدامها أو عدم استغلالها في توفير معروض كاف في السوق العقارية”. ويتم تحديد ذلك وفقًا لأحكام هذا النظام وما تحدده اللوائح.
الرسوم والضوابط:
يفرض النظام رسومًا سنوية على كل من الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة.
- الأراضي البيضاء: يفرض رسم سنوي لا يزيد على 10% من قيمة الأرض، وفق ضوابط تحددها اللوائح. يطبق هذا الرسم على الأراضي البيضاء المملوكة لأشخاص طبيعيين أو اعتباريين، باستثناء عقارات الدولة. يصدر الوزير قرارات تحديد نطاق تطبيق الرسوم ومساحة الأراضي الخاضعة للتطبيق، على ألا تقل المساحة لهذه الأرض أو مجموع الأراضي الخاضعة للتطبيق عن خمسة آلاف متر مربع، وفقًا لما تحدده اللوائح.
- العقارات الشاغرة: تفرض رسوم سنوية على العقارات الشاغرة بنسبة من أجرة المثل، وبما لا يزيد على 5% من قيمة العقار. يجوز لمجلس الوزراء زيادة هذه النسبة إلى 10% بناءً على اقتراح من اللجنة الوزارية. لا يشمل ذلك عقارات الدولة. أجرة المثل هي قيمة تقديرية إيجارية لعقار مماثل للعقار الشاغر محل فرض الرسم، من حيث الموقع والمساحة والاستخدام والحالة الإنشائية في نفس النطاق العمراني وفي نفس الفترة الزمنية.
اللوائح:
سيصدر النظام لائحتين لتطبيقه:
- لائحة العقارات الشاغرة: سيتم الإعلان عنها خلال 90 يومًا من تاريخ نشر تعديلات النظام في الجريدة الرسمية.
- لائحة الأراضي البيضاء: سيتم إصدارها خلال سنة من تاريخ نشر تعديلات النظام في الجريدة الرسمية.
تتضمن كل لائحة المعايير الفنية، وضوابط تحديد النطاق، وآليات التقييم، والإجراءات التنظيمية المتعلقة بالتطبيق.
الضوابط العامة:
هناك ضوابط عامة تحكم تطبيق النظام على كل من الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة.
- الأراضي البيضاء:
- تحدد معايير الأراضي الخاضعة لتطبيق الرسم بموجب اللائحة وتشمل: حدود النطاق العمراني، الحد الأدنى للمساحة، ومدى قابلية الأرض للتطوير.
- يراعى وجود العوائق التي تحول دون إصدار التراخيص أو الموافقات اللازمة لتطوير الأرض أو بنائها.
- يعد مالك الأرض أو من في حكمه مسؤولاً عن سداد الرسم والغرامات المترتبة.
- تطبق الغرامات بما لا يتجاوز مقدار الرسم المستحق، وفقا لما تحدده اللائحة.
- العقارات الشاغرة:
- تحدد مدة الشغور التي يخضع العقار بسببها للرسم، إضافة إلى ضوابط إثبات حالته، بموجب ما تنص عليه اللائحة.
- يراعى وجود العوائق التي تؤثر على إمكانية إشغال العقار.
- يحتسب الرسم على أساس أجرة المثل، وفقا لما تحدده اللائحة.
- يعد مالك العقار أو من في حكمه مسؤولا عن سداد الرسم والغرامات.
أحكام عامة:
يتضمن النظام أحكامًا عامة تضمن عدالة التطبيق ومنع التهرب:
- تحدد اللائحة الضوابط اللازمة لضمان تطبيق الرسم بعدالة ومنع التهرب من دفعه وقواعد إجراءات التحصيل.
- تشكل لجنة مختصة للنظر في الاعتراضات، ويجوز التظلم من قراراتها أمام المحكمة الإدارية.
- يتم إشعار المكلف أو من في حكمه بالرسم وفق الآليات المحددة في اللائحة، مع بيان مقدار الرسم المستحق.
الفروقات بين النظام السابق والنظام المعدل:
يوجد فروقات جوهرية بين النظام السابق والنظام المعدل، خاصة فيما يتعلق بالبند ونطاق التطبيق.
يتضح من هذه المقارنة أن النظام المعدل يوسع نطاق التطبيق ليشمل العقارات الشاغرة، ويقدم هيكلًا أكثر تفصيلاً للرسوم والمراحل، مما يعكس التوجه نحو تنظيم شامل للقطاع العقاري في المملكة العربية السعودية. يهدف هذا التوسع والتعديل إلى معالجة تحديات السوق العقاري بشكل أكثر شمولاً، من خلال تحفيز تطوير الأراضي وتعبئة العقارات الشاغرة لزيادة العرض وتلبية الطلب المتزايد على الإسكان. كما يعزز النظام الجديد الشفافية والعدالة في السوق، ويسهم في تحقيق رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع الاقتصاد وتحسين جودة الحياة من خلال توفير بيئة حضرية مستدامة ومساكن ميسورة التكلفة.
الخاتمة
يُجسد نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة تحولًا جوهريًا في السياسات العقارية، يهدف إلى خلق سوق أكثر توازنًا وشفافية. فبفضل هذا النظام، لم يعد من المجدي الاحتفاظ بالأراضي أو العقارات دون تطوير أو استغلال، إذ أصبحت هناك أدوات مالية وتنظيمية تحفّز الملاك على اتخاذ خطوات عملية نحو البناء أو التشغيل، أو مواجهة الرسوم المفروضة.
إن توسعة نطاق النظام لتشمل العقارات الشاغرة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت استجابة لحاجة السوق إلى حلول واقعية تواكب التحولات الحضرية، وتعالج النقص في المعروض السكني والتجاري. كما أن اعتماد معايير مثل “أجرة المثل” يعكس توجهًا دقيقًا نحو العدالة في التقدير، ويمنح الجهات الرقابية مرونة في التقييم دون الإضرار بمصالح الملاك أو تعطيل الاستثمار.
وإذ يتطلب تطبيق النظام ونجاحه تعاونًا وثيقًا بين الجهات الحكومية والمطورين والأفراد، فإن إدراك أبعاده الاقتصادية والاجتماعية هو ما يضمن تحقيق أهدافه. فليس الهدف فرض الرسوم بحد ذاتها، بل تحفيز التنمية، وتنشيط السوق، وتوفير بيئة عمرانية متكاملة تخدم الجميع.
في النهاية، فإن نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة ليس مجرد نص نظامي، بل أداة فعالة لضبط السوق وتحقيق الاستدامة الحضرية، ويُعد أحد المفاتيح الجوهرية لبناء مستقبل عقاري أكثر توازنًا وعدالة.
في شبكة عقار، أحد المنصات المرخصة من الهيئة العامة للعقار، نؤمن بأن شراكتنا هي أساس نجاحكم في السوق العقاري. نقدم لكم مجموعة متكاملة من الخدمات، تشمل باقات المطورين والمستثمرين، وعضويات المؤسسات العقارية والوسطاء، وخدمات التصوير والإنتاج والتصميم والتسويق الاحترافية، بالإضافة إلى الخدمات التقنية المتكاملة وتوثيق العقود الإيجارية عبر منصة إيجار. دعونا نكن شركاء في رحلتكم نحو تحقيق أفضل النتائج.
و سواء كنت شركة أو فردًا، وتبحث عن حلول عقارية احترافية، فإن شبكة عقار هي خيارك الأمثل. اترك التفاصيل علينا، فنحن نتولى كل شيء بكفاءة واحترافية. تواصل معنا عبر نموذج تسويق العقار أو نموذج طلب العقار، أو عبر الواتساب أو نموذج اتصل بنا، ودعنا نجعل تجربتك العقارية سلسة ومريحة.
لا تقتصر فائدة مدونتنا على هذا المقال فقط. ندعوك لاستكشاف أقسامنا المتنوعة حول التسويق العقاري والمؤشرات العقارية والمزادات العقارية وغيرها ، حيث تجد تحليلات مفصلة وأخبارًا محدثة ونصائح قيّمة تخدم كل العاملين في القطاع العقاري والمهتمين به. اكتشف آفاقًا جديدة لمعرفتك.